الدجل الطبي
يقتضي المنطق السليم أن نطلب الحاجة من أهلها ، فإن تعطلت سيارتي و توجهت إلى مهندس الإتصالات لإصلاحها ، سينعتني الكثيرون بالجاهل و المتخلف عقلياً ..
وهذا ما يحصل بالظبط بعد إنتشار و تطور الإتصالات ، و صارت مواقع التواصل الإجتماعي منصات مفتوحة للجميع ، حتى أن السمكري بإمكانه الكتابة و التنظير في علوم الفلك و جزار الحي يبحر في مهارات التحليل السياسي .. لا بأس إن كان ذلك لا يحتمل أثرا سلبيا و أذى ويدخل في باب حرية الكلام و التعبير ، إنما أن يكون الحديث و الكتابة في الطب و الصحة تشخيصاً و علاجاً من غير خلفيات علمية و شهادات موثقة ، هنا نكون قد دخلنا في مجال الشعوذة و أبواب الأحتيال ، خاصة إن ترافقت مع عروض لمنتجات مجهولة و غير مراقبة .
من الشائع رؤية منشور يتحدث عن علاج داء السكري بتناول العسل - نعم العسل - وربما روجوا لذلك بعنوان من قبيل العلاج النهائي للسكري أو قل وداعا لمرض السكر ودون أن يعلموا أن العسل يحتوي عدة أنواع من السكر ، غلوكوز و فركتوز و غيرها ، سيستقلبها الجسم و يحولها كلها إلى السكر البسيط ، الذي يتراكم في الدم و النسج ليدمر الصحة...
من منا لم يقرأ المنشور الشهير ذلك الذي يتحدث عن نقص الفيتامين B12 و أثره المدمر للمرضى ، يشرحون لك عن " أهم " مصدر له وهو كما يدعون حبوب الشعير ، و للعلم الفيتامين B12 لا يمكن أن يوجد في المملكة النباتية ، و هو موجود حصرا في المنتجات الحيوانية ، كاللحوم و الكبدة و الأسماك و الألبان و البيض..! وبنصيحتهم هذه ربما يفوّتون على مريض السكري الفرص الصحيحة لاستدراك ذلك النقص ، الناتج أصلا عن تناول علاج المتفورمين لفترات طويلة ، وبذلك يعملون على إنهاك و تدمير بنية و سلامة المرضى..
على المجتمع الطبي ، لمنع مثل تلك ، التصرفات القاتلة من بعض الهواة الجهلة وضع تشريعات و ضوابط ، تمنع من هم خارج المجال الطبي من الكتابة و النشر فيما يخص صحة البشر و يهدد سلامتهم و هذا من صلب عمل الحكومات و السلطات الصحية خاصة في الدول التي تعاني من شح الوعي الصحي ولا بد من تجريم النشر لغير المختصين بذات الطريقة التي تمنع أي إنسان من فتح عيادة دون مؤهلات و شهادات علمية تخوله ممارسة المهنة ، أليس روح القانون منع الأذى والضرر فكيف لمروجي المعلومات الصحية المضللة و العقاقير و المستحضرات غير المراقبة و غير القانونية الذين يدخلون عمليا في باب الشعوذة و الدجل وبالتالي الأذى المتعمد و الإساء للمرضى و للأطباء الحقيقيين و حتى لإقتصاد البدان .. بالخلاصة يجب على السلطات الصحية ، و ، كذلك منظمات حماية المجتمع المدني ، اليقظة و المبادرة لقوننة النشر الطبي وكذلك الممارسات الطبية و حصرها في أهلها...
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق