ثروات مهملة

من الحكم الشائعة أن " الفقرَ لا يتعدّى على أحَد " 

و تُذكر دائماً تلك الحكمة في حالة شاب مقتدر لديه كافة مقومات العمل وهو يشكو من الفقر و العوز ..

و كذلك تنطبق ذات الحكمة على المجتمعات و الحكومات و البلدان ، عندما يمنحها الله ثروات و ظروف و مناخات لتكون من أكثر الشعوب غنى و رفاهية ، لكنها تتقاعس و لا تخطو خطوة لإستثمار منح الطبيعة المرمية دون من يفكر كيف نستغلها لنعيش أفضل ...

صباح اليوم كعادتي وعند تجولي في غابة قريبة من منزلي ، كل عدة خطوات تمتد يدي لتقطف بعضاً من وريقات نبات عطري ،  أفركها بيدي قليلاً ثم أشمها بحب ،  لتعود بي كل واحدة من تلك الأعشاب إلى ذكريات من زمن سبعينات و ثمانينات القرن الماضي ، و توقظ روائح مازالت عالقة و مخزنة في أعماق اللاوعي عندي لأجمل عطور تلك الفترة ، العطور الخالصة كما يجب أن تكون العطور ، قطفة من الصنوبر تبدو  كما لو في يدي زجاجة عطر الديريك أو الدراكار و براعم الطيون التبست في ذهني مع العطور الأسبانية كالأكوا براڤا و الأكوا ديسيلفا ، أعشاب أخرى كاليغنص و الريحان تأخذني في رحلة إلى مخازن عطور الايف سان لوران و الكابتن و البروت ......

كنوز من الأعشاب الساحرة مرمية و مهملة لا أحد يعبرها ، بينما هي في البلدان التي تسعى في رزقها جعلوا لها مزارع و مصانع ليغزوا بعطورهم أصقاع الأرض بعائدات أسطورية ،

متى نعي مالدينا ، و ننظر للأرض و الجبال و الوديان بفلسفة مختلفة و حكمة ، فليس من العقل أن نحصر زراعاتنا بصنف أو صنفين أو ثلاثة ، قد لا تكون بيئاتنا مناسبة لها و جبالنا و غابتنا تخبرنا بما يناسبها و يزدهر فيها ...

يقتضي التفكير العاقل البحث حولنا ، و إستغلال كل عطايا و كنوز الأرض ، و تنويع مصادر الدخل ، للحفاظ على إستقرارنا و أمننا الإقتصادي...