ثورة الإتصالات شوهت التواصل

ثورة الإتصالات مثل الحلويات لذيذة جداً لكن آثارها مدمرة

بداية ستينيات القرن الماضي لم تكن وسائل الإتصال متوفرة و متطورة كما هي اليوم في المدن ، فكيف كانت الحال في تلك القرى النائية كقريتي الداخلية البعيدة ...
أذكر صورتين للتواصل في ذلك الوقت كان في القرية شبه وظيفة يقوم بها شخص محدد يتصف بصوته الجهوري و يلقب
  " البگجي " مهمته أن يقف على سطح مرتفع وسط القرية للصراخ بإعلان يهم أهل القرية مثل بقرة مفقودة أو دعوة لإجتماع هام و ضروري في الساحة ، و الصورة الثانية للإتصالات وقتها عندما يريدون توجيه نداء لأحد أبناء القرية الذي يعمل في الحقول البعيدة في إتجاه نهر العاصي ، كان يقف المنادي أيضاً على سطح البيت الترابي ويصرخ بأعلى صوته مثلا :

               وااااااااا ابراهيم

و على المنادي أن يرفع صوته ليصل إلى إبراهيم على بعد ربما لا يقل عن كيلومترين ....
تطورت كثيرا وسائل الإتصال لاحقاً إلى أن دخل حياتنا الجهاز النقال و كان في البداية مكلفاً و عسير المنال وقلة هم من يحملونه ، ومن باب الطرفة عندما حصلت على أول جهاز لم يكن هناك كثيرون نتصل بهم ، و أذكر كنت أحمله في مزرعة لي و اطلب من زوجتي الابتعاد الى طرف المزرعة لنقوم بتجريب الإتصال بتلك الأجهزة العجيبة ..
اليوم وفي زمن الإتصالات الذكية و الأجهزة الفائقة ، تراجعت مقدراتنا الصوتية و صار التواصل أسرع من لمح البصر ،  ثم حصلت المفارقة الأكبر و تطورت الإتصالات كثيراً ، لكن حصلت شبه قطيعة بين البشر ، فالكل منشغل بجهازه العجيب ويرى العالم من خلاله فقط ... في إحدى المرات حكيت مع زوجتي بالواتسب وكانت تبعد عني ثلاثة أمتار فقط في المطبخ لأطلب منها أن تحضر معها كأساً من الماء لأشرب ...
حقيقة لو حاولنا أن نتخيل حال الإتصالات بعد عقد أو عقدين من الزمن الآتي لن نفلح ، لكن ما لا نرجوه هو أن تتطور العلاقات بين البشر إلى مرحلة أسوأ بكثير مما نحن عليه اليوم و للأسف أظنه سيحصل .

        الدكتور ذكريا محمد عطوني

تعليقات

إرسال تعليق

اترك تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إبتسامة ذئب

غلطة قاتلة...

أنت أيضا لك عينان...